محبّة الله
كانت “ديفني” فتاة تركية جميلة ترعرعت مع أمها الأرملة فاطمة. كانت فاطمة تكافح بجهدٍ لتدبير احتياجات ابنتها واحتياجاتها هي، لكن الحياة لم تعاملهما برحمة أو لطفٍ. وعندما تحوّلت “ديفني” مِن فتاة صغيرة إلى شابة فائقة الجمال، كانت تحلم بترك كوخها الصغير الذي لم يسع سوى موقدٍ وقليلٍ مِن الأشياء، والذهاب إلى المدينة الكبيرة. كانت “ديفني” تحلم بإيجاد حياة أفضل وأكثر راحة وأكثر إثارة في إسطنبول.
وذات يومٍ، قامت “ديفني” بالهروب مِن البيت. فانتابت فاطمة حالة مِن الخوف والذّعر، لأنّها كانت تعلم أنَّ ابنتها عنيدة جدًا ولن تعود إلى البيت، كما كانت تعلم شكل المصاعب التي توجد في شوارع المدن الكبيرة. عندما تلتقي الكبرياء بالجوع، فإنَّ الإنسان يتدنى إلى الأشياء التي كان يستحيل عليه تصوّرها مِن قَبل. هرعت فاطمة إلى محطة الحافلات، ولكن قبل أنْ تستقل الحافلة إلى اسطنبول، دخلت إلى أستوديو للتصوير الفوتوغرافي وطبعت لنفسها عشرات الصّور الشخصية الصغيرة والمربَّعة.
وبمجرد أنْ وصلت إلى إسطنبول، قامت فاطمة بالبحث في كل مكان عن ابنتها. فكانت تفتش في الحانات والنوادي الليلية والفنادق، وفي أي مكان يُشاع تواجد البغايا فيه. وفي كل مكان ذهبت إليه، كانت فاطمة تترك صورتها هناك، وذلك بِأنْ تلصقها على مرآة المراحيض التي كانت تدخلها، كما كانت تعلّقها على لوحة الإعلانات في الفنادق التي كانت تذهب إليها …
وأخيرًا استقلت فاطمة الحافلة ورجعت إلى البيت بعد أنْ نَفَذَت النقود والصّور.
وبعد عدة أسابيع، كانت “ديفني” تنزل السلالم المتداعية بأحد الفنادق القذرة. إلا أنّها كانت في حالة مِن اليأس والاكتئاب، وكانت تبدو معالم الجوع على وجهها. لقد تحوّل حُلمها إلى كابوس. وقد تمنت ألف مرة أنْ تتخلص مِن وضعها الرّاهن وتعود مرة أخرى إلى فراشها في البيت، لكن الرجوع إلى البيت كان، بأكثر من طريقة، أمرًا صعبًا ويتعذر تحقيقه.
وعندما وصلت “ديفني” إلى أسفل الدرج، لاحظت وجود صورة لوجهٍ مألوفٍ لديها، كانت الصّورة ملصقة على مرآة الردهة. احترقت عيناها بالدموع وهي تعبر الغرفة وتزيل صورة والدتها. وعندما قلبت الصورة، وجدت رسالة تقول: “لا تقلقي بشأن ما فعلتِ أو ما أصبحتِ عليه. أرجوكِ عودي إلى البيت”. وبالفعل عادت إلى البيت.
عزيزي القارئ، تطرح هذه القصة سؤالاً عليك وعليَّ. هل يمكن أنْ تفوق محبة الإنسان محبة الله؟ وهل يمكن للجّود الذي فعلته هذه الأم أنْ يفوق الجّود الذي يُظهره الله تجاهنا؟ حاشا! إنّ عمق محبة الله يفوق بكثير عمق عواطف ومشاعر الوالدين، فمحبّة الله بلا حدود.