فرح القيامة
في روما القديمة – تلك الأمة الوثنية المليئة بالأوثان – كان يُكتب على قبور الموتى كلمات خالية تمامًا مِن الأمل والرجاء: “وداعًا إلى الأبد.” وكانت الشَّابات حديثات الزواج والأمهات المسنات يقمن بانتزاع شعر رؤوسهن من فروة الرأس ويندبن عند شواهد القبور الموحشة، لكن لا شيء كان يمكنه أنْ يعيد إليهن أحبابهن مرة أخرى مِن تلك الهُوّة المظلمة العميقة التي لا يمكن لأحدٍ اختراقها – هُوّة الموت.
ولكن كانت هناك شواهد قبور أخرى مكتوب عليها رسالة مختلفة. فإنَّ أتباع عيسى المسيح المُوَحِّدين الذين كانوا يعيشون بعد زمانه بفترة قصيرة لم يكتبوا “وداعًا إلى الأبد” على قبور موتاهم. عوضًا عن ذلك، كانوا يضعون الكلمات الحلوة المُرّة التالية: “وداعًا إلى أنْ يأتي الصّباح.” كانوا يدركون أنَّ الموت ليس النهاية، بل إنّه مجرد سبات طويل. كل إنسان سوف يستيقظ في يوم القيامة.
“وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ” (سورة ياسين، الآية 51).
إنَّ الموت بالنسبة للإنسان المؤمن ليس مكانًا مظلمًا مِن الرّعب المجهول. فالإنسان المؤمن لا يخاف على مستقبله. فإنَّ علاقته مع خالقه وثيقة وآمنة جدًا لدرجة أنّه يستطيع أنْ يغمض عينيه ويأخذ نَفَسَه الأخير بسلام لا يمكن المساس به. وهو ينتظر بفرح يوم القيامة المجيد، عندما يقوم بجسد عديم الفساد، ثم يُرفع إلى الجّنة للاستمتاع بالنعيم العجيب الذي ينتظره هناك.
“فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” (سورة السَّجدة، الآية 17).
وعلى الرّغم مِن أنَّ الرقاد المؤقت قد يفصلنا في هذه الحياة، إلا أنّ قلوبنا وهي ممتلئة بتطلعات مشرقة تنتظر فرح القيامة القادم، عندما نتحد مرة أخرى مع أحبابنا وننال المجازاة الجميلة التي تنتظرنا في جنّات الفردوس.
مَنْ ذا الذي تتطلع إلى رؤيته؟ مَن ذا الذي ستقوم بمعانقته أولاً؟ ليت الربّ يمنحك ثباتًا وصمودًا في إيمانك إلى أنْ يأتي هذا اليوم المبارك.