المُسامَحة
يُحكى أنَّ أبًا وابنه وقعت بينهما مخاصمة وتباعدا عن بعضهما البعض. وبعد سنوات طويلة ومؤلمة مِن الانفصال، وضع الأب وهو غير متأكد مِن كيفية الاتصال بابنه إعلانًا في الصحيفة. وقال في هذا الإعلان: عزيزي أحمد، قابلني أمام مكتب الصحيفة في تمام الساعة الواحدة يوم الجمعة. لقد سامحتك على كل شيء. أحبك. أبوك.
عندما وصل الأب إلى مكتب الصحيفة يوم الجمعة القادم، لم يصدق عينيه. فقد جاء 800 شخصًا بِاسْمِ أحمد يبحثون جميعهم عن المحبة والعفو مِن والديهم.
داخل كل واحد مِنِّا تعيش قوتان عظيمتان تناضلان مِن أجل السّيادة: الكرامة والرغبة في المصالحة. قد نشعر بإهانة لكبريائنا عندما نحاول إصلاح العلاقات المحطّمة وإرجاعها إلى نصابها الصحيح، ولكن مع ذلك فهنالك شيءٌ لا يقاوم في أعماق كل إنسان يتوق للمصالحة ولَمّ الشَّمْل.
وفي نهاية النضال بين الكرامة الشخصية والمسامحة أو العفو، فإنّ الحفاظ على الكرامة ليس له سوى منافع شخصية، أما المسامحة والعفو فيعززان الألفة والتضامن بين أُسَر ومجتمعات ودول بأكملها. إنَّ الإحساس الصّحي بقيمة الذات والكرامة هو شيء جيد، ولكن ليس على حساب المحبة الصادقة تجاه الآخرين في الأسرة والمجتمع. عندما يسعى كل واحد للحصول على مصالحه الشخصية على حساب الآخرين، فإنّ المجتمع سوف يتحوّل إلى دائرة مميتة مِن البغض والعداء والخصام.
إن اختبار النّبيّ داوود يقدم لنا مثالاً عن الطريقة التي نحقق بها الكرامة والإنصاف بينما نختار في الوقت ذاته أن نعيش بتقوى. فعلى الرغم من تعرّض النّبيّ داوود للمطاردة والملاحقة مِن قبل ملك شرير، إلا أنّه قرّر ألا يقتله عندما سنحت له الفرصة لأنْ يقتله. ولكنه عوضًا عن ذلك صلى في الزَّبُور قائلاً:
يَا إِلهَ النَّقَمَاتِ يَا رَبُّ، يَا إِلهَ النَّقَمَاتِ، أَشْرِقِ.
ارْتَفِعْ يَا دَيَّانَ الأَرْضِ. جَازِ صَنِيعَ الْمُسْتَكْبِرِينَ.
اقْضِ لِي حَسَبَ عَدْلِكَ يَا رَبُّ إِلهِي، فَلاَ يَشْمَتُوا بِي.
ما مدى قوة إيمانك؟ هل تؤمن كما آمن النبي داوود إنّك عندما تختار المسامحة والعفو، فإنّ الله نفسه سوف يقضي لك وإنّك سوف تتبرّر؟ وهل تتخلى عن مساعيك ورغبتك في أنْ تكون على حق، لكي تظهر قوة الله نيابةً عنك؟ وهل يمكنك أن تتخلى عن الإدانة حتى يكون الله هو القاضي والدّيان؟ لأنه في نهاية المطاف، لا تحتاج قوة الكرامة وقوة المصالحة العظيمتين لأن تكونا ضد بعضهما. ولكن إذا كنت تريد الاثنتين، فيتعيّن عليك أنْ تتخلى عن كبريائك وتضعه في يدي الله. ماذا سيحدث إذا جرّبت ذلك؟