السَّلام
أراد أميرٌ قويٌ وذو شأن أن يحصل على اللوحة المثالية التي تجسّد مفهوم السَّلام؛ لكنّه شعر بعدم الرضا عن الأعمال الفنّية التي وجدها في الأسواق العامة. فأعلن عن مسابقة لتصميم لوحة معبّرة عن السّلام. وبشغفٍ، بدأ الفنانون مِن كل حدبٍ وصوبٍ في إمارته في إرسال لوحاتهم. وأخيرًا جاء يوم المنافسة. ووسط جمهور متميز، بدأ الأمير في الكشف عن اللوحات، واحدة تلو الأخرى.
وبعد وقت قليل، لم يتبق هناك سوى لوحتين اثنتين. فقام الأمير برفع الغطاء عن اللوحة قبل الأخيرة. شَهِق الجمهور إعجابًا بها، وكانوا متأكدين مِن أنَّ مَن رسم هذه اللوحة هو الفائز بجائزة المسابقة! فاللوحة كانت عبارة عن مشهد جميل مِن الهدوء الصحراوي مع منظر خلاب لغروب الشمس. وكانت فروع بعض أشجار النخيل تتمايل بهدوء بنسمة هواء عليلة ناعمة، بينما أضاء غروب الشمس الكثبان الرملية الهادئة.
ولكن تبقت لوحة واحدة. وعندما رفع الأمير الغطاء عن اللوحة، شَهِق الجمهور مرةً أخرى، ولكنهم شهقوا في هذه المرة بسبب الاستياء! فكيف يمكن لهذه اللوحة أنْ تعبّر عن السَّلام؟
كانت هذه اللوحة عبارة عن شارع في مدينة تتسارع فيه الخُطى ويضجّ بالأضواء والحركة والوجوه المضطربة المتضايقة. وكان منظر الأقدام المتعجلة والتكدّس المروري وصياح السائقين يعبّر عن الفوضى العارمة. ولكن عند النَّظر عن كثب، كان يمكن للمرء أنْ يرى في وسط اللوحة زهرةً صفراء طالعة مِن أحد الصدوع في رصيف المشاة، وطفلاً صغيرًا ينحني نحو الزهرة والبهجة تملأ وجهه. أمّا والد الطفل فكان يقف خلفه لحمايته، بينما كان الطفل يسترق لحظة متباطئة وهادئة يشتم فيها الزهرة غافلاً عن مظاهر الفوضى والهرج والمرج التي كانت تعم المكان مِن حوله.
إنّنا في أحيانٍ كثيرة نشعر أنّ الحياة تشبه الفوضى العارمة التي توجد في الشارع المزدحم، أكثر من كونها تشبه المشاهد المسالِمة للطبيعة الهادئة التي لا يزعجها شيء. لكن الله جلَّ جلاله يريدنا أنْ نتمتع بالسّلام في خضم الفوضى والاضطرابات، وأن يكون لدينا طمأنينة وسَكينة وسط عواصف الحياة. إنَّ الله يقدّم لنا سلامًا، ليس في هيئة هروب من العالم، بل سلامًا بينما نحن في العالم، بغض النظر عن الصّخب المستشري فيه. صَلّ إلى الله واطلب منه أنْ يمنحك شعورًا بالسَّكِينَة والسّلام الداخلي حتى تنحني أنت أيضًا وتشم رائحة الورود.
ما هو مدى احتياجك للسّلام اليوم؟